+
----
-
في تلك المدينة الصغيرة و في ذلك البيت كان هناك شاب يبلغ من العمر عشرون عاما .... و كل يعمل في إحدى ورش السيارات , و في صباح يوم امتلأت سمائه بالغيوم ... استيقظ ذلك الشاب و ذهب لكي يصلي و من ثم يذهب إلى عمله في تلك الورشة ...خرج ذلك الشاب من بيته و كان كل يوم و هو ذاهب إلى عمله يمر على رجل عجوز يعتبره كوالده فيسأل عنه و يأتي له بحاجاته الناقصة ثم بعد ذلك يكمل طريقه إلى عمله ... و في ذلك اليوم ذهب ذلك الشاب إلى الرجل العجوز و بينما و هو يصعد الدرج سمع صوت فتاة يصدر من شقة ذلك الرجل فلم يصدق ما تسمع أذناه و قال في نفسه أنه ربما سمع ذلك الصوت من شقة أخرى ... و لكن الصوت كان يقترب منه كلما اقترب من شقة ذلك العجوز ... و عندما وصل إلى الشقة و وقف أمام الباب ليفتحه و إذا بفتاة قمة في الجمال تبلغ من العمر أربعة عشر عاما و لون شعرها ذهبي و ممشوقة القوام ... لو شاهدتها بينالزهور لا تستطيع أن تفرق بينها و بين تلك الزهور .... فوقف ذلك الشاب مذهولا و وقفت الفتاة هي الأخرى مذهولة لا تدري ماذا تقول و هو أيضا لا يدري ماذا يقول و من هول المفاجأة ذهبت صاحبة الشعر الذهبي دون أن تتكلم أو تنطق بأي حرف ...و دخل هو الآخر إلى الرجل و عيناه تكاد أن تخرجان من هول المفاجأة ... و عندما رآه الرجل هكذا ... سأله ماذا بك يا بني ؟؟؟ و أخذ يعيد السؤال عليه حتى خرج ذلك الشاب من حالة الذهول التي هو فيها ... فرد عليه و قال له ...لا شيء يا عمي ... لا شيء .. و لكن الرجل العجوز قال له ... إنها فتاة جدبدة في هذه المنطقة و هي في نفس العمارة التي أسكن فيها أنا .... و تدرس في الصف الأول المتوسط و من عائلة متوسطة الحال و عندما علمت بحالي و أنني وحيد جاءت لكي تسأل عني ... و أضاف العجوز قائلا ... أتعلم يا بني ... لقد لاحظت شيئا... فقال له الشاب و ما هو يا عمي ؟؟؟ فرد عليه العجوز و قال: إنها تشبهك إلى حدٍ كبير ... فهي لها نفس طيبة القلب التي تملكها أنت و محبة للخير مثلك تماما .... و لاحظت أيضاً أنها تشبهك في الشكل بنسبة كبييرة ... فرد عليه الشاب و فد بدأت علامات الخجل تظهر على وجهه وقال ... كيف هو حالك اليوم يا عمي ؟؟ أينقصك شيء ؟؟؟ قالها و هو يحاول التهرب من كلام العجوز عن تلك الفتاه بأي طريقة ... فقال له العجوز .. لا يا بني فأنت لم تتركني أحتاج إلى شيء أبداا ... و أخذ يدعو له بالتوفيق و النجاح و أن يفتح الله في وجهه أبواب الرزق و تركه الفتى و ذهب إلى عمله و عقله مشغول بتلك الفتاة ... لقد أحس ذلك الشاب بإحساس غريب لم يشعر به من قبل ... فهو يشعر بمزيج من الفرح و الحزن في نفس الوقت .... –نسيت أن أقول لكم أن والدا هذا الشاب توفيا و هما في طريقهما إلى الحج في حادث سيارة و تركا له البيت الذي يعيش فيه و الورشة التي يعمل فيها- أحس ذلك الشاب بقلبه ينبض و لأول مرة في حياته و لكنه فضل أن لا يبوح لأحد بما يشعر به....
عمل ذلك الشاب في ذلك اليوم و أكمل عمله على أكمل وجه و كان رزقه في ذلك اليوم جيدا و عند نهاية اليوم ذهب إلى بيته لكي يرتاح من تعب العمل ... و بينما هو في طريقه إلى البيت رأى تلك الفتاة صاحبة الشعر الذهبي و هي تدخل العمارة التي يسكن فيها ذلك الرجل العجوز... و ظل واقفا يراقبها من بعيد إلى أن دخلت المنزل و أكمل هو طريقه إلى البيت .... و عندما وصل إلى بيته و بدل ملابسه أخذت الأفكار تدور في رأسه ... و من تلك الأفكار أنه سأل نفسه و قال... لماذا لا أكمل دراستي و أحصل على شهادة جامعية ؟؟؟ لماذا ؟؟؟ و ذهبت باقي الأفكار و ظلت هذه الفكرة في رأسه إلى أن استيقظ صباح اليوم التالي و قد قرر أن يكمل دراسته ... و لكن كانت هناك عقبات أمامه لابد له من تجاوزه... و أولى تلك العقبات هي من سيعمل في الورشه أثناء دراسته ومن هو الشخص الذي سيأتمنه عليها ... و أخذ يفكر إلى أن وجد حلا... ألا و هو أنه سوف يجعل أفضل عامل عنده يعمل طوال فترة وجوده في المدرسه ... و لم يتبقى له سوى أن يسجل في المدرسة ... و ذهب بالفعل إلى المدرسة و قبل فيها و بدأت رحلته الدراسية ... و صار لا يذهب إلى الرجل العجوز إلا نادرا و ذلك بسبب انشغاله التام بالدراسة و العمل .... لدرجة أنه في مرة من المرات جلس لمدة إسبوعين متواصلين لا يذهب إلى الرجل العجوز و كانت هذه الفترة هي فترة اختبارات ... و عندما انتهى منها ذهب إلى الرجل العجوز و في هذه المرة أيضا وجد الفتاة صاحبة الشعر الذهبي و كان قد مر على أول لقاء بينهما شهرين كاملين .... و لكنه عندما رآها هذه المرة لم يقف مذهولا كما في المرة السابقة .... و لكنه ألقى السلام عليها و دخل إلى الرجل العجوزو ظلت صاحبة الشعر الذهبي تراقبه و هو يدخل أمامها و هي خجولة منه و هو ينظر إليها بطرف عينه ... و جلس مع الرجل العجوز الذي كان قد غضب منه بسبب انقطاعه المفاجئ عن زيارته ... و عندما علم بالسبب سامحه و كان في قمة الفرح و أخذ يحتفل به و في آخر النهار ذهب الشاب إلى بيته و ظل هكذا إلى أن أنهى دراسته الثانوية و ليس بينه و بين صاحبة الشعر الذهبي إلا السلام فقط ....و ذهب لكي يسجل في الجامعة و قبل في قسم الهندسة الميكانيكية .... و ذهب إلى الرجل العجوز و الفرحة تكاد تقفز من عينيه و في لحظة دخوله هذه المرة وجد صاحبة الشعر الذهبي جالسة بجانب الرجل العجوز و عندما رأته قامت و ذهبت إلى الباب و لكنه في هذه المرة لم يكتفي بالسلام فقط فلقد قرر في هذه اللحظات أن يتحدث معها .... و بالفعل تحدث معها و دارت بينهما الأحاديث و كل هذا و هما واقفان أمام الباب ... و عندما رأي الرجل العجوز الانسجام الذي حصل بينهما دعاهما للجلوس بجانبه و أخذوا جميعا يتحدثون عن كل شيء إلى المغرب ... فاستأذنت الفتاة لتأخر الوقت و استأذن هو أيضا من الرجل العجوز و ذهب مع الفتاة و أوصلها إلى باب بيتها و ذهب هو إلى بيته و كان في قمة الفرح و السعادة و لم ينام تلك الليلة من الفرح .... و ذهب في اليوم التالي إلى الكلية و بدأت أيام الدراسة و التعب من جديد ... مرت أول سنه في الجامعة و نجح ذلك الشاب بامتياز و كان الأول على دفعته ... و ذهب إلى الرجل العجوز و وجد صاحبة الشعر الذهبي و قد انتظرته لكي يطمئنها هي و الرجل العجوز .... فأبلغهما أنه نجح و بامتياز... ففرحوا جميعا لنجاحه و باركوا له و احتفلوا بهذا النجاح و قرر الشاب أن تخذ هذه المرة خطوة إيجابية مع صاحبة الشعر الذهبي ... فقال للفتاة أنه يريد أن يتقدم لها ... فلم تتمالك الفتاة نفسها من الفرحة و كانت دموع الفرحة واضحة في عينيها و ذهبت إلى بيتها و لم تنطق بأي كلمة أبدا ...
و أخذ ذلك الشاب موعدا من والدها و كان على بعد أسبوع تقريبا... و جاءت لحظة الحسم و ذهب إلى والد الفتاة ... و هو في طريقه إلى منزلها أحس بشيء غريب .... أحس بأن قلبه مقبوض .... و شاهد أمامه منظرا انخلع معه قلبه ... فلقد شاهد حبيبته صاحبة الشعر الذهبي و هي تعبر الشارع في لحظة مجيء سيارة مسرعة .... و حصل مالم يكن في الحسبان ... فلقد صدمت هذه السيارة صاحبة الشعر الذهبي ... كان كل شيء يمر أمامه و كأنه فيلم بالتصوير البطئ .... و كان هو من هول المفاجأة لا يستطيع الحركة .... و عندما شاهد حبيبته و هي تسقط على الأرض و شعرها الذهبي صار لونه بلون دمائها صرخ صرخة أسمعت كل من في المدينة و ذهب إليها و الدموع تملأ عيناه ... و كان يصرخ بأعلى صوته و يقول .... لااااااااااااااااااااااااا .... حبيبتي صاحبة الشعر الذهبي .... لا تذهبي مني .... لا تتركيني وحيدا في هذه الدنيا .... فبكي عاد نبض قلبي من جديد ... و بكي صار لحياتي طعم و لون و رائحة .... و ظل يهذي هكذا و رأسها في صدره ... حتى جاءت سيارة الإسعاف و حملته هو و صاحبة الشعر الذهبي و وضعوها في المستشفى في غرفة العناية المركزة ... و ظلت غائبة عن الوعي لمدة أسبوع كامل و هو بجانبها لم يفارقها و لا لحظة ... و ولدا الفتاة لا يعرفان ماذا يفعلان ...
و بعد أن مر ذلك الأسبوع أفاقت صاحبة الشعر الذهبي ... ففرح الجميع بذلك ... و لكنهم لم يعرفو أن هذه الإفاقة كانت من أجل أن توصي حبيبها و أبواها بأن لا ينسوها و أن يدعون لها دائما بالرحمة ... فقالت ... حبيبي ... أرجوك لا تبكي ... لا أريد أن أرى دموعك أبدا لا من أجلي و لا من أجل أي أحد آخر ... حبيبي ... إنني أعرف أنني ميتة لا محالة و هذه هي الدنيا .... و في هذه اللحظة انفجر هو و والديها بالبكاء... فأكملت قائلة ... أبي ... أمي ... لا تحزنا ... لا أريد لأي منكم أن يحزن .... فأنا سوف أظل في قلوبكم جميعا ... حبيبي .... أرجوك أن تكمل دراستك و أن لا تتوقف لأي سبب كان و أن لا تنسى أبي و أمي فهما في أشد الحاجة لشخص يرعاهما و لا تنسى ذلك العجوز الذي كان السبب في معرفتي بك ...حبيبي ... أود أن أطلب منك طلبا آخر .... و أرجو منك أن لا ترفضه ... أريد منك أن تتزوج... فأراد أن يسكتها و لكنها وضعت يدها على فمه و أكملت .... نعم حبيبي هذه هي وصيتي لك و أتمنى أن تسمي أول فتاة تنجبها باسمي... و ظهر التعب عليها و هم يترجونها أن تسكت ... و كانت آخر كلمات قالتها ... أحبك يا من لم و لن أحب سواك ... أحبك أبي ... أحبكي أمي .... الوداع ...و خرجت روحها إلى بارئها عز وجل ... و بكى الجميع و أغمي على الشاب في وسط الغرفة ... و أفاق و هو في الغرفة الأخرى .... و كان يبكي بكاءً سمعه كل من في المستشفى و بكوا جميعا من أجله ...و في اليوم التالي أخذوا الفتاة لكي يدفنوها ... و في لحظة الدفن أخذ الفتى يبكي بحرقة و ألم و تذكر وصيتها له بأنها لا تريد أن ترى دموعه أبدا ... فكتمها بداخله و عاد إلى دراسته و كان كلما رأى فتاة ذات شعر ذهبي تذكر حبيبته و بكى ... و انتهت فترة دراسته الجامعية و كان طوال تلك الفترة يذهب إلى والدا الفتاة صاحبة الشعر الذهبي و إلى الرجل العجوز و يخدمهم جميعا على أحسن وجه .... و جاء ذلك اليوم الذي شاهذ فيه فتاة ذات شعر ذهبي و لها نفس ملامح حبيبته و تذكرها... و تذكر وصيتها له بأن يتزوج ... فذهب إلى أهل هذه الفتاة و تقدم لها و تزوجا ... و عندما أنجبا أول طفلة سماها على اسم حبيبته صاحبة الشعر الذهبي ... و ظلت هذه الفتاة تكبر و تكبر أمامه و كانت صورة طبق الأصل من حبيبته صاحبة الشعر الذهبي .... و جاء اليوم الذي تتزوج فيه ابنته ... و بكى ... و بكى ... بكى لفرحته بابنته و لحزنه لفراق حبيبته صاحبة الشعر الذهبي .... و كتب هذا النثر ...
" حبيبتي صاحبة الشعر الذهبي ... كم أشتاق إليكي يا أول حب لي ... كم أشتاق لرؤيتكي ... هاهي ابنتي التي وصيتني أن اسميها باسمك تتزوج .... لا أدري لماذا أبكي يا حبيبتي ... أعرف أنكِ سوف تقولين لي أنكِ أوصيتني على أن لا أبكي أبداااا ... و لكني لا أقدر .... ففي هذه اللحظة أتذكر نفسي و أنا آتٍ إلى بيتكي و أتذكر تلك اللحظة التي جعلتكِ تذهبين مني ... أتذكر كل شيءٍ فيكي يا صاحبة الشعر الذهبي .... أتذكر بريق عينيكي .... أتذكر يداكي التي لم ألمس أجمل منها ... أحبكي ... أحبكي إلى أن أموت يا صاحبة الشعر الذهبي ..... أحبكي "
لكم تحياتي